حُكي الكثير عن تمويلٍ مشبوه لتظاهرات الحراك المدني، من دون أن تُقرَن هذه الأقوال بأمثلة. كُتب الكثير عن هذا التمويل ولكن من دون أدلة. وإذا كان الحصول على صور عن الشيكات التي دُفِعت والأموال التي صُرِفت لدعم هذا الحراك، من الأمور غير السهلة اليوم، والتي تحتاج الى وثائق "ويكيليكس" كي تكشفها في فترة زمنية لاحقة، تكفي بعض المشاهدات الحيّة من التظاهرات لإثباته والتأكيد عليه بما لا يقبل الشك. فما سنعرضه عن تظاهرة التاسع والعشرين من آب، هو غيضٌ من فيض هذا التمويل.
عند الواحدة ظهراً، وصل الى ساحة الشهداء ثلاثون شاباً وشابة موزّعين على فانات صغيرة وسيارات عادية. ما هي إلا دقائق قليلة حتى ترجّلوا وأفرغوا صناديق الآليات التي تقلهم. أكياسٌ ضخمة في داخل كل واحدٍ منها حوالى خمسين قميصاً ذات اللون الأبيض، طُبِع عليها من الأمام باللون الأسود شعار "طلعت ريحتكم". هذه القمصان التي تُقدّر بالآلاف، وعلى رغم سعرها وكلفة طبع الشعار عليها، سرعان ما بدأ حاملوها بتوزيعها مجاناً على المتظاهرين.
بعدها بساعتين، أي قبل بدء الكلمات بساعتين ونصف، دخلت ساحة الشهداء ست آليات موزعة بين الشاحنات الصغيرة والسيارات الرباعية الدفع، وعلى سطوحها كمٌ هائل من مكبّرات الصوت الضخمة التي يملكها كبار متعهّدي المهرجانات في لبنان كالأرزوني. وهنا يُطرَح السؤال، من أين يملك شبّان الحراك الأموال اللازمة لتغطية الكلفة الباهظة لأجهزة الصوت هذه؟
لم يمر الكثير من الوقت، حتى وصل الى الساحة 500 شاب يرتدي كل واحدٍ منهم سترة ذات اللون الفوسفوري، طبع عليها من الخلف كلمة "التنظيم". هذه السترات كما القمصان ومكبرات الصوت، تصل تكلفتها الى عشرات الآلاف من الدولارات. فمن دفع هذا المبلغ؟ ومن جيب مَن سُحِب؟ عماد بزي أم أسعد ذبيان أو مروان معلوف؟
انتهت التظاهرة، لكن التمويل لم ينته. وانت في طريق المغادرة ليلاً من ساحة الشهداء، لا يمكن لنظرك إلا أن يحط على الشاشة الدعائية العملاقة الموجودة في منطقة مار مخايل أي قبل مئات الأمتار من شركة touch. شاشة تؤجَّر بآلاف الدولارات يومياً لأكبر الشركات العاملة في لبنان، ولكبار الرأسماليين، مثبّت عليها باللون الأخضر شعار "طلعت ريحكتم".
أليس الدعاة لهذا الحراك من أشد المحاربين للطبقة الرأسمالية؟ وهل تم إستبدال رغيف الخبز الذي لطالما رفعوه في تظاهراتهم السابقة اي قبل تشكيل حملاتهم، بهذه الشاشة العملاقة والمكلفة جداً؟ وكيف لهم بعد اليوم أن ينتقدوا الأحزاب والتيارات على إرتهانها للخارج بسبب الدعم الذي تتلقاه، بعد كل هذا المال السياسي والدبلوماسي والدولي الذي صرف ويصرف على تحركاتهم؟
كلّها أسئلة برسم من نصبوا أنفسهم قياديّين للثورة وإدّعوا أنهم لا يمتّون الى الفساد والإرتهان بصلة، وذلك من منطلق الحرص على الثورة أولاً وأخيراً، الثورة التي لا يمكن تسميتها بثورة متى دخل على خطها الدعم الخارجي المادي وغير المادي، نبيلاً كان أم خبيثاً!